د. عبد الله الحريري
عندما كتبت مقالة الأسبوع الماضي عن هل نحن في حاجة إلى مزيد من الكذب بعد الدراسة التي عرضتها "الاقتصادية" عن دور الجوال في زيادة الكذب عند الناس، كان أيضا موضوع حلقة الزميلة زينة رمضان الذي استضفت فيه في راديو mbc بانوراما عند زيارتي لهم الأربعاء الماضي يدور حول نفس الموضوع وقد اختير للحلقة عنوان "الكذب الإلكتروني" فقد لاحظت اهتماماً بالغاً من المستمعين من خلال الكم الهائل من المشاركات أثناء البرنامج. وكما يبدو أنه يشغل كثيراً من الناس وكان حواري مع المستمعين عن تلك القضية من عدة محاور حيث تم التأكيد على أن الكذب هو الكذب مهما كانت المبررات والألوان وأن الإنسان من الممكن أن يتعود على الكذب ويدخل في دوامته حتي يصبح من الصعب عليه التخلص من تلك العادة ، وأن التقنية الحديثة ووسائل الاتصال في مجتمعاتنا غير التوكيدية والتي لا تؤمن بحرية التعبير عن المشاعر والأفكار وفرت البيئة لذلك الاستعداد المبكر لكي ينمو ويصبح مبالغاً فيه ، وكان العديد من المستمعين في حيرة من أمرهم سواء فتيان أو فتيات في الكيفية التي من الممكن أن يكتشفوا من خلالها الشخص الذي يكذب من خلال الصوت. وتم اقتراح أن يوضع أي إنسان أمام مجموعة من المواقف المثيرة للأفكار عن طريق أسلوب الإسقاط مما يجعله يسقط حقيقة شخصيته وأفكاره على تلك المواقف بطريقة لا شعورية ومن هنا يمكن اكتشاف أنه يكذب وفي أضعف الإيمان قد تصدر منه هفوات إسقاطية تدل على أنه يكذب وأن الإنسان عندما يكذب فهذه إحدى دلالات ضعف تقديره لذاته وإيمانه بحاجاته الأساسية وبحقوقه وأن ضعف ثقافة الناس بحقوقهم الشخصية ساعد على انتشار الكذب وحرية الكذب، دون قيود وقوانين ذاتية، وكان من ضمن الحوار كيف يتم إيقاف الشخص الكذاب عندما يستمر في الكذب وتوصلنا إلى أن تمادي الشخص في الكذب يتطلب عدة إجراءات منها تجاهل ما يقوله أو أسلوب المواجهة التوكيدية غير المستفزة لمن نخاف أن نفتقده كصديق حتى لا يكون في موقف دفاعي بل يكون في موقف متقبل لسلوكه وأن نوضح له أن استمراره في ذلك السلوك يجعلنا نشعر بالحزن والخوف عليه وأن التمادي في كذبه هو نوع من تضخيم الذات نتيجة لعدم وضوح أهدافه في الحياة أو ماذا يريد وأنه عندما يسيطر الكذب عليه فإن ذلك يجعله أكثر قلقاً وخوفاً ويستمر في المزيد من السيناريوهات التي يرى أن الكذب سيخفف من القلق وأنه نوع من الهروب من الخوف ونقض الآخرين له حيث لا يلبث في حالة الاستمرار أن يزيد قلقه من الخوف أكثر من السابق .
المهم هنا ومن خلال معايشتنا للثورة التقنية قد نتساءل كيف نحمي أنفسنا من الكذابين الذين يتمتعون بالسلبية والعدوانية لابتزاز الآخرين إلكترونياً ؟ ومن أين ينشأ الكذب غير الطفولي الفطري ويصبح مرضاً اجتماعياً ؟ اعتقد أن الإجابة على مثل ذلك السؤال تتطلب من الأم والأب والمعلم التخلص من ازدواجية المعايير واللعب على وتر العادات والتقاليد وكما يبدو أنهم عندما يتخلصون من ذلك سيكون هنالك جيل من الواثقين بأنفسهم وبحقوقهم.